فصل: القسم الثالث: فوات المنفعة شرعاً

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الفصل الثاني في الضمان

وفي الجواهر‏:‏ يد المستأجر يد أمانة على المعروف من المذهب؛ لأجل الإذن في المباشرة كالوكيل والمودع، وقاله الأئمة، وقيل‏:‏ ضامن كالقابض في البيع الفاسد، وأما يد الأجير على سلعة يؤثر فيها كالخياط ونحوه، فيده يد ‏(‏ضمان عمل في بيته أو حانوته، بأجر أو بغير أجر، يلقب بصنعته أم لا، إن انتصب للصنعة، وإلا فيده يد‏)‏ أمانة وقال الأئمة‏:‏ لا يضمن إلا ما أهلك بفعله من الدق في

القصارة وغيره من حرفاته؛ لقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏لا يحل مال امريء مسلم إلا عن طيب نفس منه‏)‏، ولأنه قبض لمنفعة الغير فلا يضمن كالمودع، والوكيل، والمساقي، والمقارض، والجواب عن الأول‏:‏ المعارضة بقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏على اليد ما أخذت حتى ترده‏)‏ وعن الثاني‏:‏ لا نسلم أنه لم يقبض بحق نفسه، بل لمستحق الأجرة، فوجب أن يضمن كالقرض، سلمنا صحة القياس، لكن المودع لم يؤثر في العين تأثيراً يوجب التخمة على أخذ بسبب التغيير، وهو الفرق في الوكيل، وأما الساقي‏:‏ فكذلك أيضاً؛ لأن الله تعالى هو منمي الثمار، وأما المقارض فلو ضمن مع أن المال بصدد الذهاب والخسارة في الأسفار؛ لامتنع الناس منه فتتعطل مصلحته، بخلاف السلع عند الصناع، فظهر الفرق، ثم يتأكد ما ذكرناه‏:‏ أن الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - قضوا بتضمينهم، وإن لم يتعدوا، وقد قال - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي‏)‏ ولأنه من المصالح؛ فوجب أن يكون مشروعا؛ ‏(‏لنهيه - عليه السلام - عن الاحتكار، وتلتقي الركبان، وبيع الحاضر للبادي‏)‏ قال، وكذلك لو دعي

إلى بيت رب السلعة ليعمل له فيه، أو لازمه ربها لنفي التهمة ‏(‏لأن يده يد أمانة‏)‏ حينئذ، وعلى هذا يختلف حاله باختلاف أرباب السلع فيضمن لبعض دون بعض، قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ ويضمنون ولو قل العمل، كوضع زر في ثوب أو رقعة، ولو كان ربه حاضرا للفساد، أو غائبا عنه إذا كان ذلك في حوانيتهم، وهو خلاف ظاهر كلام الجواهر، قال‏:‏ ويضمن الكماد ما يقطعه بحضرتك من غير تفريط، فإن ساعدته في الكماد، وكان الخرق منك لم يضمن، أو منه ضمن، أو أشكل الأمر فهو منكما، ويضمن الصناع إلا أن تقوم بينة بالهلاك من غير سببهم؛ لأنهم إنما ضمنوا للتهم، وضمنهم أشهب، وجعل أيديهم ضمان كالغاصب؛ سداً للذريعة، فلا تقبل البينة عنده، فإن شهدت البينة بفراغه قبل الهلاك ضمنه يوم قبضه، وليس لربه إعطاء الأجرة، وتضمينه إياه معمولاً لأن عمله له فلا يضمنه، فإن شهدت بفراغه وهلاكه لم يضمن، ولا أجر له لعدم التسليم للعمل، وقال محمد‏:‏ له الأجرة لوضع الصنعة في سلعة ربها؛ لأنه بيع منافع‏.‏ ولو قامت بينة بهلاك المبيع قبل قبضه لم يضمن، فكذلك هاهنا، قال اللخمي‏:‏ الذي لا يتنصب للعمل يُصدق في التلف والرد وطريان العيوب، ويستظهر باليمين، إلا أن يكون مبرزاً في عدالته، فإن حدث العيب من سبب الصنعة، ففي تضمينه قولان صوابهما‏:‏ عدم الضمان، إلا أن يعلم أنه غر من نفسه أو فرَّط، وللمنتصب في دعوى التلف ثلاثة أحوال‏:‏ إن غاب عليه لم يُصدَّق، وإن دعوته لعمل عندك صدق، حصرت عند العمل أو غبت، وإن عمله في حانوته بحضرتك صُدق عند محمد؛ لانتفاء التهمة، وقيل‏:‏ لا؛ لأن يده يد ضمان سداً للذريعة،

ويختلف في الطحان، هل يضمن قمحاً لأنه المقبوض أو دقيقاً لأنه المستأجر عليه‏؟‏ وفي الفرّان، هل مثل العجين أو قيمته‏؟‏ والحامل للفُرن ضامن وإن لم يكن صانعاً؛ لأن حامل الطعام يضمن لسرعة الأيدي إليه‏.‏

فرع‏:‏

، قال صاحب المقدمات‏:‏ إذا اشترط عدم الضمان‏:‏ ثلاثة أقوال‏:‏ المشهور‏:‏ أنه لا ينفعه؛ لأنه خلاف مقتضى العقد، وكذلك المرتهن والمستعير، وقال أشهب‏:‏ ينفع؛ لأن الأصل‏:‏ اعتبار العقود، ولأنه كان قادراً على عدم التزامه، وإنما رضي المسمى لسقوط الضمان، وينفع فيهما؛ لأنه زيادة معروف، بخلاف الإجارة لأنها مكايسة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يُصدق مستأجر الغنم والدواب إلى مكة ذاهباً وراجعاً في ضياعها في الابتداء؛ لأنه أمين، وعليه الأجرة؛ لأن تسليم العين تسليم المنفعة، والأصل بقاؤها عنده، كما أن الأصل‏:‏ براءته من الضمان إلا أن يأتي ببينة على وقت الضياع، فلا أجرة لعدم المنفعة، وإن أخبر رفقاءه أنه أخبرهم بالضياع حلف وسقطت الأجرة وقت الضياع؛ لأن ذلك مرجح لجهته، وقال غيره‏:‏ يصدق في الضياع، ولا يلزمه من الأجرة إلا ما قال‏:‏ إنه انتفع به؛ لأنه أمين‏.‏

قاعدة‏:‏ يقع التعارض في الشرع بين أصلين وظاهرين، وأصل وظاهر، ودليلين وبينتين، ويختلف العلماء أيهما يُقدم‏؟‏ فالأصلان نحو‏:‏ زكاة الفطر عن العبد الذي انقطع خبره، الأصل‏:‏ بقاء حياته، والأصل عدم وجوب الزكاة،

والمقتول ملفوفاً فينازع في حياته قبل الجناية‏:‏ الأصل‏:‏ بقاء حياته، والأصل‏:‏ البراءة من القصاص، والظاهر‏:‏ أن اختلاف الزوجين في متاع البيت، كل واحد منهما يده ظاهرة في الملك، فسوّى الشافعي ورجحها بالعادة، وشهادة عدلين منفردين برؤية الهلال، الظاهر‏:‏ صدق العدل، والظاهر عدم خفاء ذلك على الناس مع الصحو وكثرة الجمع، قبلها مالك وردها سحنون، والأصل والظاهر‏:‏ كالمقبرة القديمة، الأصل عدم النجاسة، والظاهر اختلاط ترابها بصديد الأموات وفضلات بطونهم، والخلاف في جميع هذه الصور مذكور في موضعه بناء على هذه الأصول، فتلاحظ هذه القاعدة في هذه الفروع، قال ابن يونس‏:‏ قيل‏:‏ نقص ابن القاسم وغيره أصلهما، إذا استعار دابة إلى موضع فلما رجع قال ربها‏:‏ أعرتها لدون ذلك، صدق ابن القاسم المستعير في الضمان لا في الكراء‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اكترى قصعة يضمنها إلا أن يقيم بينة على ضياعها للتهمة، قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ يضمن في دعواه الكسر؛ لأنه قادر عل تصديق نفسه بإحضار الفلقتين، ويصدق إلا أن يقول‏:‏ سرقت الفلقتان أو تلفتا فيُصدق، وإن كان بموضع يمكن إظهارهما لم يُصدق، وإلا صُدق في الضياع؛ لأنه أمين يعجز عن تصديق نفسه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يصدق في ضياع الثوب ‏(‏وغصبه وسرقته لأنه أمين إلا أن

يتعدى أو يفرط، قال اللخمي‏:‏ قال سحنون‏:‏ لا يصدق في ضياع الثوب‏)‏، ونحوه، وقاله أشهب في الجفنة للتهمة، قال‏:‏ والمذهب أبين؛ لأن الرقاب في يديه أمانة، ولو قال‏:‏ احترق الثوب ولم يأت منه بشيء لم يُصدق لقوة التهمة بذلك، ولو قال بعد الأخذ‏:‏ ضاع قبل ذلك‏:‏ لا يصدق عند ابن القاسم إلا ببينة تشهد أنه ذكر ذلك قبل ذلك فيحلف، وعليه من الأجرة إلى وقت سماع ذلك منه؛ لاستيفاء المنفعة إلى ذلك الوقت، وقال أشهب‏:‏ يصدق وعليه من الأجرة ما أقر أنه انتفع به؛ لأنه أمين، قال‏:‏ والأول أحسن إذا لم يكن في سفر، وإلا صُدق مع يمينه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا ضمان على الراعي إلا أن يتعدى أو يفرط؛ لأنه أمين، وإن استرعى عبداً بغير أذن سيده فتعدى فليس على سيده ولا في رقبته؛ لتعدي رب الغنم في استعماله، وإن شرط على الراعي الضمان فسدت الإجارة لمناقضة العقد، ولا ضمان عليه، وله أجرة المثل وإن زادت، وقال غيره‏:‏ لا يزاد على التسمية لرضاه بها، ومن المحال أن تكون أكثر؛ لأن شرط الضمان له حصة من التسمية، قال ابن القاسم‏:‏ وكذلك إن شرط عليه إن لم يأت لتسمية ما مات ضمنه له أجرة المثل بغير ضمان، وإذا خاف على شاة فذبحها لم يضمن؛ لأنه حافظ للمال على الضياع، ويصدق إذا جاء بها مذبوحة؛ لأن ذلك يكثر في الرعي، وقال غيره‏:‏ يضمن ما نحر لأنه من فعله، ويصدق فيما هلك أو سرق، ولو قال‏:‏ ذبحتها ثم سُرقت صُدّق؛ لأنه أمين، وإن أنزى على الإناث بغير إذن فعطبت

ضمن لعدم تناول الإذن لذلك، وقال غيره‏:‏ لا يضمن؛ لأنه شأن الرعاة، وتنمية للمال، وإن شرط الرعاية في موضع فرعاها في غيره ضمن يوم التعدي، وله الأجرة إلى يوم التعدي، قال ابن يونس‏:‏ إذا استأجره على مائة شاة ولم يقل بأعيانها، فله خلف ما مات، وإن كانت بأعيانها امتنعت الإجارة حتى يشترط الخلف إن ماتت أو باعها، وقال سحنون‏:‏ الحكم يوجب الخلف فيستغني عن الشرط، قال ابن حبيب‏:‏ الأمر على الجواز حتى يشترط عدم الخلف، قال سحنون‏:‏ في الراعي المشترك شردت منه شاة فيطلبها قليلاً ثم يرجع خشية هلاك غيرها‏:‏ ليس بتفريط، قال ابن حبيب‏:‏ ولا يضمن إن نام فضاعت الغنم، إن نام نهاراً في أيام النوم إلا أن يأتي بما ينكر من ذلك، أو يكون بموضع خوف، وإذا فعل ما يجوز فعطبت منه كضرب الرعاة فلا ضمان، خلافاً لـ ‏(‏ح‏)‏، وإلا ضمن، قاله ابن القاسم، وقال ابن حبيب، إذا رمى شاة أو بقرة ففقأ عينها ضمن ما ينقصها؛ لأن العمد والخطأ في أموال الناس سواء، ولا إذن في هذا، قال اللخمي‏:‏ إذا شرط عليه الضمان فرعى فله الأكثر من المسمى أو أجرة المثل؛ لوجود الرضا واستيفاء العمل، وقيل‏:‏ المثل فقط كالبيع الفاسد، ويجري فيه قول‏:‏ إن الشرط جائز، يضمن أن لم يأت بالسمة؛ لأنه قادر على ذلك كما قال أشهب في الجفنة إذا ادعى الكسر ولم يأت بفلقتيها بخلاف أن يقول‏:‏ سرقت أو ضلت، وقال ابن حبيب‏:‏ إذا استعار ثوراً للحرث فذبحه وادعى الخوف عليه‏:‏ ضمنه، إلا أن يأتي بلطخ ظاهر، بخلاف الراعي؛ لأن الراعي يفوض إليه النظر، ولو ذبح الراعي مريضة صدق قولاً واحداً، قال الأبهري‏:‏ لو ذبحها وادعى خوف الموت عليها ففي تضمينه روايتان، ولو أكلها وادعى خوف الموت ضمن اتفاقاً لقوة التهمة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اتخذ المكتري في الدار تنوراً يجوز له فاحترقت الدار وبيوت الجيران، لم يضمن؛ لأنه فعل ما يجوز له كالموت من علاج الطبيب، أو التعزيز أو القصاص المأذون فيه، فإن فات شرط عدم النار فأوقد، ضمن لأنه متعد، قال اللخمي‏:‏ لا يضمن إذا كانت العادة نصب التنور في مثلها ووقد وقود مثله، وإلا ضمن، فإن جهلت زيادة الوقود‏:‏ فقيل‏:‏ يضمن؛ لأن الغالب إذا ذاك لا يكون إلا عن زيادة الوقود، وقيل‏:‏ لا؛ لأن الأصل عدم التعدي، فإن شرط عدم الوقود ضمن الدار وحدها إذا كان الوقيد لو أذن فيه لم يكن للجار مقال؛ لأن التعدي خاص بالدار وإلا ضمن كل ما احترق‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا زادت على الدابة ما لا يُعطب مثله فعطبت لم تضمن، وله كراء الزيادة على الشرط، وقاله الأئمة، وإن كان يعطب مثله‏:‏ خُير بين كراء المثل في الزائد ما بلغ مع الكراء الأول أو قيمة الدابة يوم التعدي، ولا كراء له لوجود سبي ذلك، وتعين الضمان عند الأئمة للتعدي، وما قلناه أولى؛ لأن العقد وقع صحيحاً فلا يجزم بالغاية، نعم لا يجمع له بين البدل الذي هو القيمة والمبدل الذي هو منفعة العين التابعة للعين المأخوذ البدل عنها، والرديف كالزيادة، وأما زيادة الحاج في وزن الزاملة أكثر من شرطه مما بعطب مثله‏:‏ فلا ضمان؛ لأن الحاج عرف بذلك إذا كان المكري رأى ذلك، قال ابن يونس‏:‏ الزيادة اليسيرة بخلاف الزيادة في المسافة لأنه تعدى في المسافة وإن قلت، واجتمع في الحمل إذن وتعد، وقيل‏:‏ في زيادة اليسير في الحمل‏:‏ عليه الكراء الأول

وفضل الضرر، كمن حمل أثقل فإنه يكون له فضل الضرر، وقيل‏:‏ يضمن في زيادة الحمل اليسيرة كزيادة المسافة، بجامع التعدي، وفي الكتاب‏:‏ إذا أكترى للحنطة فحمل شعيراً أو سلتا لم يضمن، فإن حمل رصاصاً أو حجارة بوزن ما اكترى فعطبت ضمن؛ لأن هذه تعقر الدابة، ولو استوى الوزن بفرط اليسير، وإذا أكريت مثلك في الخفة والأمانة لم تضمن، وإلا ضمنت، وإن أكريت غير مأمون فادعى تلف الدابة لم يضمن الثاني إلا أن يأتي بما لا يشبه، أو يظهر كذبه، ويضمن الأول بتعديه، مع أن الكراء من الغير مكروه؛ لأن الأول قد يكريك لحسن حالك، وأما في الموت فللورثة حمل مثله، قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ يكوز أخذ الربح في الدواب والسفن والمتاع والصناع في مثل ما اكترى، ويكره في الركوب إلا أن يُقيم أو يموت، ‏(‏قال ابن حبيب‏)‏‏:‏ يجير مالك ذلك في الأحمال إذا كان رب الدابة معها يتولاها، وإلا كره لمثل الركوب لاختلاف سوق الناس، إلا أن يكون المكتري ممن يتولى سوقها بنفسه، وعلم ذلك المكري، وفي الكتاب‏:‏ متى حمل على الدابة أضر فربها مخير بين كراء دابته في فضل الضرر أو قيمتها‏.‏ وكذلك إذا طحن على الرحا أصلب مما استأجرها له، قال ابن يونس‏:‏ وصفة كراء فضل الضرر‏:‏ أن له الكراء الأول وما يزيد الحمل الضار صوناً لما في العقد الأول من توفر أجره، وقيل‏:‏ كراء الثاني ما بلغ؛ لأنه الذي استوفيت به المنفعة، قال ابن

ميسر‏:‏ إذا أكتراها أياما معينة فاستعملها في دون ما اكتراها، فعليه الكراء الأول، وفي أكثر منه انفسخ الأول بمضي الأيام، وعليه كراء المثل ما لم يكن أقل من المسمى، وفي الكتاب‏:‏ إن اكتراها من مصر إلى برقة ذاهباً وراجعاً فتمادى إلى إفريقية، ثم إلى مصر خير في أخذ كرائها من برقة إلى إفريقيا ذاهباً وراجعاً مع الكراء الأول، ونصف الكراء الثاني مع قيمتها يوم التعدي، ردها بحالها أم لا؛ لأنه ساقها وحبسها عن منافعها، قال الأبهري‏:‏ لو اكتراها على أن يردها من يومها فحبسه المطر أياماً فعليه الكراء بذلك الموضع المحبوس فيه لتقوية المنافع تحت يده‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا زدت ميلاً فعطبت، فله الكراء الأول ويخير في قيمة كراء المثل، أو قيمة الدابة يوم التعدي، وضمنه ‏(‏ش‏)‏ وأحمد في الدابة أجرة المثل، ولم يضمنه ‏(‏ح‏)‏؛ لأن المنافع عنده لا تضمن بالغصب، وضمنه الأئمة الدابة في العطب من غير تخيير لفسخ التعدي موجب بالعقد عنده، لنا‏:‏ ما تقدم في زيادة الحمل، ولو ردها بعد الأميال، أو حبسها اليوم ونحوه‏:‏ لم يضمن إلا كراء الزيادة، خلافاً للأئمة كذهاب العيب يسقط القيام به، والأئمة تقول‏:‏ اشتغلت الذمة بالقيمة فلا تبرأ إلا بالدفع، والرد للدابة ليس بدفع القيمة، وإن حبسها شهراً أو ردها بحالها فله الكراء الأول في قيمتها يوم التعدي، وكراء ما عملت في زمن الحبس بغير عمل، وإن لم يتغير، وقال غيره‏:‏ إن كان حاضراً

معها، فله فيما حبست بحساب الكراء الأول لأنه رضي بذلك أو غائباً، ورددتها بحالها فله في الزيادة الأكثر من الكراء ذلك أو بحساب الكراء الأول حملت عليها شيئاً أم لا لتفويتك المنافع بذلك أو قيمة الدابة يوم حبسها، وكراء الأول له في كل حال توفية بالعقد، قال ابن يونس‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ نحو الميل، وقال محمد يضمن ولو بخطوة لتحقيق التعدي عمدة المشهور أن العادة المجاوزة اليسيرة، وقيل‏:‏ إذا حبسها أياماً بعد فراغه، وربها حاضر، ولم ينكر فهلكت لا يضمنها على قول ابن القاسم، وإن، وجب عليه كراء المثل لأنه كان قادراً على أخذها، وقال سحنون إذا ردها إلى الموضع الذي أمر بالبلوغ إليه ثم ماتت في الطريق فلا ضمان عليه كراد الوديعة بعد تسلفها، وكمن زاد الحمل ثم نزع الزيادة ثم ماتت لم يضمن، قال صاحب النكت‏:‏ إذا زاد في الحمل المشترط، وحمل الزيادة منفردة ضمن الدابة، وإن كان الزائد لا يعطبها مثله كزيادة المسافة لأنه تعدٍ صريح بخلاف حملها مختلطة، وكذلك إذا زاد بعد فراغ الثور من الطحن يسيراً لا يعطب في مثله هو كزيادة المسافة لتمحض العدوان

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا يضمن حامل الدهن، والطعام إذا هلك بالعثار أو رفس الدابة، وانقطاع الحبل إلا أن يغر بذلك؛ لأن أصله على الأمانة، وضمنه ‏(‏ح‏)‏ بالعثار، والزلق، والعمد، والخطأ في أموال الناس سواء، وجوابه‏:‏ أن ذلك مع عدم الإذن، ويد الأمانة أما معها فلا يضمن إلا بالتعدي، ولا يصدق في ذهاب الطعام، والإدام إلا ببينة خلافاً للأئمة للتهمة فيها فالتضمين من المصالح العامة كما تقدم في تضمين الصُّناع

فرع‏:‏

لا يضمن حارس الحمّام الثياب لأنه أجير، قال اللخمي‏:‏ ضمنه مالك في كتاب محمد إلا أن يأتي بحارس، ولم يضمن الحارس، وضمنه ابن حبيب لأنه أجير مشترك ولو أخذ الأجرة من صاحب الثياب لم يضمن أيضاً لأنه أمين كالمودع يأخذ أجراً إلا أن تظهر منه خيانة، ولا يضمن سائر الحراس، وهم أولى بعدم الضمان من حارس الحمام؛ لأن رب الثياب لم يُقمه، ولم يختره بل صاحب الحمّام، قال ابن يونس‏:‏ قال مالك إذا استؤجر على تبليغ جارية فنام في الطريق فأبقت أو ماتت يحاسب في الأبق، وله الأجرة كاملة في الموت، وقال ابن القاسم يستعمل في مثل ذلك حتى تتم، وقال ابن، وهيب له من الأجر بقدر ما بلغ فقط

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا يضمن أجير الخدمة ما كسوه أو طعام عمله إلا أن يتعدى لأنه مأذون له في التصرف في البيت

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا أقر بقبض المتاع، وقال عملته، ورددته ضمن إلا أن يثبت رده، وإلا حلفت، وأخذت قيمته بغير صنعة، قال ابن يونس‏:‏ إذا، قال مكتري ما يغاب عليه رددته صُدق مع يمينه كما يصدق في تلفه أخذه ببينة أم لا بخلاف العارية، والقراض لاختلاف العوائد في الرد بغير إشهاد، وسوَّى أصبغ بين الكرءا، والقراض، والوديعة في التصديق إلا أن يأخذ ببينة؛ لأن الغالب أن المشهود عليه لا يرد إلا بشهادة

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اشترطت نسج عزلك تسعةً في خمسة، فعمل ستاً في خمس‏:‏ خُيرت بين أخذه وله الأجرة كاملة، وبين تضمينه قيمة الغزل لتعديه، وقال غيره‏:‏ بل يحاسب بما عمل إن أخذت، وله الأجرة الكاملة، وبين تضمينه قيمة الغزل لتعديه، ‏(‏قال غيره‏:‏ بل يحاسب بما عمل إن أخذت‏)‏ لتنقيصه المعدود عليه، وعليه مثل الغزل إن ضمنت؛ لأن الغزل مثلي موزون، قال صاحب التنبيهات‏:‏ قوله‏:‏ يعطى الأجر كله، قيل‏:‏ معناه‏:‏ إذا أدخل الغزل كله في الثوب، وقيل‏:‏ معناه إذا قال‏:‏ اعمل هذا الغزل فدخل جميعه فحينئذ له الأجر كله، أو اعمل من هذا الغزل ثوب كذا فإن عجز زدتك فيصنع أقل أو خلافه، وأدخل الغزل كله، فبحساب ما عمل، قال صاحب النكت‏:‏ قيل‏:‏ معنى يعطى بحساب ما عمل‏:‏ يسقط من المسمى ما بين العملين من أجرة المثل، وقال ابن مسلمة‏:‏ لو تعدى بالزيادة فعلى قول ابن القاسم الذي يرى النقصان كالعيب حتى يعطيه الأجرة كلها‏:‏ لا أجرة له في الزيادة وعلى قول الغير الذي يجعل النقصان كنقصان الطعام‏:‏ تكون له أجرة الزيادة، وقيل‏:‏ إن زاد معتمداً فلا أجرة له؛ لأنه سمح بعمله، وإلا فالأجرة المثل مع المسمى، قال ابن يونس‏:‏ إذا عُدم المثل‏:‏ عليه نسجه بالأجرة الأولى توفية بالعقد، فإن عدم مثله فقيمته، وهو مصدق في صفته مع يمينه، وتنفسخ الإجارة، وقال أصبغ‏:‏ لا تنفسخ، ويأتي رب الغزل بمثله ينسجه له، وليس الغزل متعيناً حتى لا يمكن بدله، قال محمد‏:‏ ولو كان كذلك لم تجز

الإجازة، والصانع مصدق في مخالفة الشرط؛ لأنه مدعى عليه الغرامة، وإذا زاد عامداً فلا أجرة له، أو غالطاً وأراد ربه أخذ الزيادة دفع الأجرة، وإلا إن كان ينقسم بغير ضرر قطعت له الزيادة، وإن أضر ذلك بأحدهما كانا شريكين إن لم يرض بدفع الأجرة، وإذا قاسمه أو شاركه غرم مثل ما دخل الزيادة من الغزل، قال مالك‏:‏ ويصدق الصانع هاهنا في المخالفة بخلاف بناء البيت مقاطعة فإنهما يتحالفان ويتفاسخان، ويبدأ البناء باليمين؛ لأنه صانع، وينقض بناؤه ويأخذ نقضه، وإن أراد أن يبني ما قاله خصمه فذلك له، والفرق‏:‏ أنه لم يحز ما عمل، والحائك حاز فصُدق، قال اللخمي‏:‏ استأجره على رداء فعمل عمامة، له أخذ العمامة بأجرة المثل إلا أن يقر الصانع أنه عملها على المسمى، ويكون على المستأجر الأقل من المسمى وأجرة المثل، فإن دفع المسمى لم تبق بينهما إجارة لأنه وفي بالعقد، أو أجرة المثل عاد الخلاف في نسج العقد، ولو استأجره على صياغة فصاغ خلافها خير الصائغ بين إعادة صيغته كما استؤجر عليه بعد التصفية من اللحام المخالط، أويغرم مثل الذهب ويصوغه ثانية إلا أن يكون فاسد الذمة، فلصاحبه جبره على كسره وإعادته، ولا يلزمه أخذ المثل‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا ضاع الثوب بعد القصارة ضمنه يوم القبض، وليس لك إعطاء الأجرة، وتضمينه إياه معمولاً؛ لأن الصنعة لم تضر في حوزك حتى يضمنها، وإذا دعاك إلى قبض الثوب فلم تأخذه فهو ضامن حتى يصل إليك،

وإذا أفسد الخياط في قطعة فساداً يسيراً‏:‏ فقيمة ما أفسد، قال اللخمي‏:‏ قوله هو ضامن حتى يصل إليك، وإذا أفسد الخياط في قطعة‏:‏ يريد‏:‏ إذا لم يُحضره، فلو أحضره ورأيته مصنوعاً على شرطك، وقد دفعت الأجرة، ثم رايته عنده، صُدق في الضياع لخروجه عن الإجارة إلى الإيداع، وإذا ضمن‏:‏ فالمذهب يوم القبض؛ لقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏على اليد ما أخذت حتى ترده‏)‏ فأشار إلى وقت الأخذ، وقيل‏:‏ إلى آخر، وقتٍ ربى عنده، وأصل محمد‏:‏ إذا ثبت الفراغ ببينة، للصانع الأجرة لتسليم الصنعة بوضعها في الثوب، فيكون له دفع الأجرة، وتغريمه قيمته مصبوغاً، ولو باع الثوب‏:‏ كان الجواب على ما تقدم من الصناع، فعلى المذهب‏:‏ يخير بين إجارة البيع وتضمينه القيمة يوم القبض، ويكون لك من الثمن ما ينوب الثوب غير مفروغ، وعلى القول الآخر‏:‏ لك تضمينه القيمة يوم البيع غير مصنوع، أو ما ينوبه من الثمن، وعلى قول محمد‏:‏ لك دفع الأجرة وأخذ جملة الثمن‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ لو صبغه على غير الصفة‏:‏ فإن أمكن نقله إلى الصفة فعل، وإلا فإن نقصت فلك قيمة النقص دون قيمة الثوب، إن كان النقص يسيراً فعليك الأقل من الزيادة أو الأجرة؛ لأن لك التمسك بالعقد وعدم التمسك للمخالفة، أو لم يزد ولم ينقص فلا شيء عليه، هذا إن كانت المخالفة في نوع الصبغ كالأزرق مع الأكحل، فإن صبغه أكحل وشرط أحمر‏:‏ خيرت بين قمة الثوب وأخذه، ودفع قيمة الصبغ، ويصح جريان الخلاف المتقدم

وينظر‏:‏ هل زاد الصبغ أم نقص‏؟‏ لأن لك التمسك بملكك في الثوب، فإن كانت الصنعة قصارة فقصره أسود‏:‏ فالقول قول من دعى إلى تكميل القصارة، فإن عجز عن التكملة غرم قيمته أسمر، قال سحنون‏:‏ إلا أن يكون التغيير يسيراً فقيمته ذلك العمل ناقصاً، قال اللخمي‏:‏ تقوم الصفة المشترطة والمعمولة فيحط من المسمى قدر ذلك إلا أن تكون زيادة الصنعة على قيمته أسمر أقل فلا يكون عليه شراء ما زادت القيمة، أو تكون قيمته مصبوغاً أقل منه، فعلى الصانع ما نقصت قيمته، ولا يغرم له شيئاً؛ لأنه أفسده، ولو كانت الصنعة خياطة فخاطه مقلوباً ومتى نقصت وأعيد زال النقص‏:‏ فالقول قول من دعى إلى نقصه؛ لأنه مقتضى العقد، وإن لم يتعين نقصه لتعارض عيب القلب وعيب الفتق، خيرت بين تبقيته وفتقه، والزامه بخياطته، وإن كان أشد فتقه لعيبه قدم عدم لعيبه قدم عدم الفتق، ويغرم ما نقصت قيمته الآن، دفعاً لمزيد الضرر عنه، إلا أن يلتزم أن لا يغرمه أكثر من عيبه قبل الفتق، فيجبر هو على إعادة توفية بالعقد، وإن كان الفساد لرداءه الخياطة‏:‏ فلك إلزامه بفتقه وإعادته بخياطة مثله، وعليه الأقل من نقصه الآن وما ينقص بعد الفتق، ولا أجرة له في الخياطة؛ لأنها دخلت في القيمة، وجبر بها النقص، وإن حدث عيب من غير الخياطة‏:‏ فقيمة العيب قبل الخياطة وإن كانت الصنعة بناء فأخطأ فيه فعليه هدمه وإعادته وقيمة ما أتلف من جير وغيره، ولك إبقاء البناء ولا أجرة له؛ لأن لك نقضه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يضمن الصانع قيمة ما أفسد أجيره، ولا شيء على الأجير‏.‏

إلا أن يتعدى أو يفرط؛ لأنه بمنزلة الصانع عند رب السلعة، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ إذا كان الغسال يبعث بالثياب إلى البحر مع أجرائه، والخياط يذهب أجراؤه بالثياب إلى بيوتهم ضمنوا؛ لأنهم كالصانع يغيب على السلعة، قال ابن يونس‏:‏ ذلك إذا أجرهم على حمل الثياب مقاطعة، فإن دفعت الأجرة له ولم يدفع لأجيره أجره، فلك أخذ ثوبك من أجيره، قاله بعض المدنيين، قال‏:‏ والأشبه أن لا يأخذه حتى يدفع الأجرة له لأنك لست مستحقاً لغير تلك الصنعة، قال اللخمي‏:‏ إذا صمنا أجير الأجير فلك تضمين الأجير، ولك أخذ أكثر القيمتين يوم قبض هذا أو قبض ذلك، فإن كانت قيمته يوم قبض الثاني أقل رجعت بتمامها على الأول؛ لأن الثاني غريم غريم‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا لم يفرط الفرّان في إحراق الخبز ولا غر من نفسه لم يضمن لغلبة النار عليه، وإلا ضمن‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ ذلك إذا بقي من الخبز شيء يدل على احتراقه، أما لو ذهب جملة ضمن لتهمة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا دفع القصار ثوبك لغيرك بعد القصارة فخاطه لك غيره‏:‏ يرده ويضمنه ثوبك، أو تأخذه مخيطاً وتدفع أجرة الخياطة لمن خاطه؛ لأنه عمل في ثوبك، ولأنه غير متعد نقص أو زاد، ولا شيء على القصار، ولك أخذ ما خاطه الغاصب بغير شيء لتعديه، قال صاحب التنبيهات‏:‏ يروى في المدونة في مسألة القصار إن امتنع من دفع الخياطة قيل للآخر‏:‏ أعطه قيمة

ثوبه أو سلمه إليه مخيطاً، فإن دفعه خير ربه بين أخذه وتضمين القصار ثوبه؛ لأنه سبب القطع، وقال سحنون‏:‏ أن امتنع من دفع الخياطة لم يكن له إلا تضمين القصار القيمة، ويعطي القصار الخياطة للخياط، فإن امتنع أعطاه الخياط قيمته غير مخيط، فإن امتنع كانا شريكين بقيمة الثوب والخياطة، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا غلط الغَسال فدفع لرجل غير ثوبه فلبسه فنقصه بلبسه غير عالم، يُنظر كم نقصه لبسه‏؟‏ وكم ينقص ثوبه لو لبسه‏؟‏ فإن زاد هذا اللبس غرم الزائد، ويغرم الغسال البقية لأنه بجنايته، فإن نقص غرم اللبس، ولا شيء على الغسال لأخذ الأرش من غيره، ولو لبسه عالماً غرم ما نقصه اللبس مطلقاً دون الغسال، إلا أن يكون عديماً فيغرم الغسال ويتبع ذمة اللابس، فإن لبس كل واحد منهما ثوب صاحبه فكما تقدم في العلم والجهل، قاله ابن حبيب‏:‏ والفرق بين هذه وبين من أثاب من صدقة طعاماً فأكله أو ثوباً فلبسه ثم قيل له‏:‏ إن الصدقة لا ثواب فيها فلا شيء عليه، وإن كان كل واحد منهما صون مال نفسه، أن المثيب سلط على مال نفسه، والغسال سلط على مال غيره‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا غلط البائع فدفع إليك غير ثوبك فقطعته قميصاً، فله أخذه بغير شيء، فإن خطته دفع إليك قيمة الخياطة؛ لأنك لم تتعد، قال صاحب النكت‏:‏ لا يكونان شريكين عند ابن القاسم هاهنا وفي مسألة القصار، بخلاف استحقاق الثوب بعد الخياطة؛ لأنهما مفرطان في التسلم، والمشتري لم يفرط فيشارك، وسوَّى سحنون في الشركة بالقياس على الاستحقاق بعد الخياطة أو الصنعة في الثوب أو البناء في الأرض؛ لأن هؤلاء بسطوا أيديهم في أملاكهم في ظنهم، والفرق عند ابن القاسم بين الرد على البائع الغالط يرد

عليه بغير شيء للقطع، وبين الرد بالعيب بعد القطع لا يرد إلا بنقص القطع في غير المدلس‏:‏ أن المراد بالعيب يمكنه التمسك، فلما رد الزم بالقطع‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا قال لك الخياط‏:‏ هذا الثوب يكون قميصاً فاشتريته ولم يكن؛ لزمك، ولا شيء عليه؛ لأنه أخبر عن اجتهاده، وكذلك الصيرفي يقول‏:‏ الدينار جيد، فيظهر خلافه، فإن غرا من أنفسهما عوقبا ولم يغرما، وقال ‏(‏ش‏)‏ وأحمد‏:‏ إن قلت‏:‏ أنظر إن كان يأتي قميصاً فقال‏:‏ نعم، فقلت‏:‏ اقطعه، فقطع فلم يأت، لا يضمن، وإن قلت‏:‏ إن كان يأتي قميصاً فاقطعه ضمن، والفرق‏:‏ أنك شرطت في إذنك كونه قميصاً، والأول لم يشترط فيه شيئاً فلم يضمن، قال ابن يونس‏:‏ عن ابن القاسم‏:‏ إذا غر عوقب، ويرد الأجرة، وعن مالك‏:‏ يضمن ولا أجر له؛ لأن الجاهل لا يستحق أجراً، وعنه‏:‏ يضمن وله الأجرة لعمله، قال ابن دينار‏:‏ الأجير على النقد لا يضمن إذا أخطأ في اليسير الذي يخطأ في مثله، وإلا ضمن لتقصيره، فإن كان جاهلاً وأنت تعرفه جاهلاً، لم يضمن؛ لأنك رضيت بجهله، وإلا ضمن إن ادعى العلم، ولكليهما الأجرة، قال اللخمي‏:‏ إذا قلت للخياط‏:‏ إن كان قميصاً فاقطعه وإلا فلا، ضمن اتفاقاً؛ لأنه غرور بالفعل، والأول غرور بالقول، والأحسن‏:‏ رد التعدي على البائع في المسألة الأولى؛ لأنه لو علم أنه لا يكون قميصاً لم يشتره، لا سيما إذا كان البائع عالماً بذلك، إلا أن يكون حدث

المشتري مع الخياط في غيبة البائع، ولو قال‏:‏ دلني على جارية فلان لأشتريها لصنعة بلغته، فدله على غيرها، فاشتراها ولم يغر، لم يضمن، واختلف في الجُعل، فإن غر لم يكن له جٌُعل، واختلف في ضمانه، فإن كان البائع عاملاً بذلك فلك الرد عليه، ولو استؤجر على الدلالة على طريق فدل على غيرها ولم يغر‏:‏ ففي كتاب محمد‏:‏ له الأجرة لأنه عمل، وخالف أشهب؛ لأن العمل المستأجر عليه لم يعمله، بل غيره، فإن ضل في بعض الطريق وهو على البلاغ فلا شيء له، وإن غر من نفسه، فلا أجرة، وهل يضمن ما هلك بخطأه من بهيمة وغيرها‏؟‏ لأنه غرور بالفعل‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا علم أنه قرص الفأر، أو قامت البينة، لم يضمن، قال ابن يونس عن مالك‏:‏ إذا ثبتت السرقة وقال‏:‏ ذهب المتاع مع ما سرق، لم يصدق؛ لأن الأصل‏:‏ ضمانه حتى يثبت عدم التهمة، ولو رديء محروقاً ضمن، حتى يعلم أن النار من غير سببه‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن بشير في نظائره‏:‏ أربعة يضمنون ما يغاب عليه إلا أن تقوم ببينة‏:‏ المرتهن، والمستعير، والصانع، والأجير‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا خرق الحطاب الثوب على حبل الصباغ، ضمن دون الصباغ لأنه مباشر، والصباغ غير متسبب، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن نافع‏:‏ إلا أن يعلقه في موضع معروف بمر الحطب فيضمن له الحطاب، ولو حملت

الربح الثوب فألقته في قصريه صباغ فزاد ثمنه تحاصا في الثوب، أو نقص فعلى القصار ما نقصه، ولا شيء على الصباغ، قاله أشهب لأنه لم يتسبب، وقيل‏:‏ إذا ثبت ببينة لا يضمن القصار إلا أن يعلقه في ريح شديدة، قال سحنون‏:‏ إذا زاد الصبغ فهو شريك بالزيادة ويباع لهما، أو نقصه لم يضمن أحدهما للآخر شيئاً، ولو سقط من يد ربه ضمن قيمة الصبغ؛ لأن الخطأ في أموال الناس كالعمد إجماعاً زاد أو نقص‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ إذا طحن على أثر الحجارة ضمن مثل القمح إلا أن يعلم ربه بالحجارة، ويضمن حمال الطعام مثله في الموضع الذي اكترى إليه وله أجره، قال ابن القاسم كقوله في الطحان‏:‏ يضمن القمح دقيقاً بريعه، وإذا ضاع القمح بوعائه عنده ضمن القمح دون الوعاء، وكذلك لوح الخبز عند الفران، وجفن السيف عند الصيقل؛ لأن هذه الأشياء لا يغيرونها بصنعتهم، قال محمد‏:‏ يضمن المثال الذي يعمل عليه؛ لأنه من الضروريات للناس كالمصبوغ، وقال سحنون‏:‏ لا يضمنه لأنه لا يغيره، ولا الكتاب الذي ينسخ منه، قال ابن حبيب‏:‏ لا يضمن لوح الخبر إن سرق فارغاً، أو بالخبز؛ ضمنه لأنه لا غنى للأقراص عنه إلا أن يؤتى بالخبز فيقرصه ويخبزه، ويضمن الصحاف فارغة أو مملوءة، ويضمن الطحان وعاء القمح فارغاً أو مملوءاً‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن القاسم‏:‏ إذا دفعت إليه ذهباً فقطع منه مثقالاً يعمله خاتماً فقال‏:‏ ذهب قبل القطع أو بعده، فلا يضمن إلا المثقال؛ لأنه صانع فيه، ولو أعطاه

خفين ليصلح أحدهما، لا يضمن إلا المعمول‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا دفع القصار الثوب إلى قصار آخر وهرب وقد قبض الأجرة، فلك أخذ الثوب بلا غرم، ويتبع الثاني الأول؛ لأنك لم تأذن، قال ابن ميسر‏:‏ هذا إن قامت بينة بدفع الأجرة، وإلا حلف الثاني‏:‏ ما قبض أجره ودفع له الأقل من أجرة المثل أو أجرة الأول، ويتبع الهارب ببقية أجرته‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ لا يضمن الصانع ما حدث عن صنعه إذا كان الغالب حدوثه كالرمح يقومه، والقوس يغمزه، والفص ينقشه، إلا أن يغر أو يفرط، قاله مالك وابن القاسم؛ كاحتراق الخبز عند الفران، والغزل عند المبيض، وضمنه ابن عبد الحكم فيهما‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا قلت‏:‏ أسلمه بعد الفراغ لغسال أو مطرز، فقال‏:‏ فعلت، وأنكر الآخر أو صدقة وقال‏:‏ ضاع عندي، صدقه عبد الملك؛ لأنه وكيل في الدفع، ولم يصدقه أصبغ قياساً على دعوى الرد، ويختلف إذا صدقه فقال‏:‏ ضاع مني، وقبول قوله أحسن، فيحلف الصانع‏:‏ لقد سلمه إليه، ويحلف الآخر‏:‏ لقد ضاع وتكون مصيبته من صاحبه، إلا أن يكون الثاني متصببا فيضمن، وإذا قال الحمال‏:‏ أسلمت الخز للفران، حلف الفران وضمن الحامل؛ لأن الأصل‏:‏ عدم وصوله إليه، وإن قال الفران‏:‏ رددته للحمال، وكذبه، حلف الحمال، وضمن الفران؛ لأن الأصل‏:‏ عدم الرد‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا كان الفساد من الصانع بتفريط، ومن الأجنبي طالبت أيهما

أردت، فإن أخذت الصانع رجع على الأجنبي؛ لأنه تعدى عليه فيما هو ضامن له، أو أخذت الاجنبي لم يرجع على الصانع؛ لأنه لم يفسد بل فرط، فإن كان من الصانع بغلط أو عمد، لك الابتداء بالصانع؛ لأنه الأصل في الضمان، واختلف هل يرجع على الأجنبي‏؟‏‏.‏

فرع‏:‏

قال الأبهري‏:‏ إذا سقط من يده فانكسر، فلا ضمان عليه ولا أجرة؛ لعدم تسليم المنفعة، وإن سقط من يده عليه شيء فكسره ضمن، والفرق‏:‏ أنه أذن له في الحمل، ولم يأذن له في إسقاط شيء عليه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ كل ما هلك بسبب حامله أو دابته فلا كراء لعدم تسليم المنفعة، وليس له إلزامك بأن تأتي بمثله ليحمل حتى يأخذ الأجرة، وكذلك هروب الدابة وغرق السفينة؛ لأن ذلك على البلاغ، وقال غيره‏:‏ في الدابة جميع الكراء في الهالك بعثار وكريه حمل مثله كالهالك باللصوص‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اكتريت ثورا فكسر الطاحون وآلتها، لم يضمن ربه؛ لأن فعل العجماء جبار، إلا أن يغرك، أو دابة على حمل دهن فعثرت ضمن قيم الدهن إن غرك بموضع أثر التعدي، وقال غيره‏:‏ بل بموضع الحمل لأنه منه تعدى، وإذا هلك الطعام بالزحام ضمن المزاحم؛ لأنه متلف، وكذلك كل من أفرط في ضرب دابته أو سوقها، أو فعل ماليس له فعله، وإلا فلا

فرع‏:‏

إذا أكرى المكتري لغيره داراً فهدمها الثاني ضمن دون الأول؛ لأنه المباشر، قال اللخمي‏:‏ لو هدمها المكتري خيرت بين قيمتها غير مكرية وينفسخ الكراء، أو قيمتها مستثناة المنافع، ويكون له الكراء، ولو هدمتها أنت خير بين فسخ الكراء وأخذ فضل الكراء من المسمى، ويسقط مقال المكتري في هدم المبني؛ لأنه سلم المنافع، وتخير أنت بين تضمين الأجنبي قيمتها على أن لا كراء فيها، أو قيمتها مستثناة المنافع، وتأخذ المسمى؛ لأنه كان لك على المكتري فأبطله بالهدم أصلاً، أما إن أكراها المكتري فهدمها صاحبها بديء بالمكتري الآخر، فإن رضي بفسخ الكراء كان المقال له، وصاحب الدار يتخير في فسخ الكراء عن نفسه، أو يأخذ فضل قيمة الكراء؛ لأن المنافع حقه، أو فضل ما اكترى به من الآخر عن المسمى إن كان أكثر؛ لأنه أبطله عليه بالهدم، وإن هدمها المكتري الأول خير ربها بين قيمتها الآن غير مكتراه ويفسخ الكراء، أو قيمتها على أنها لا تقبض إلا بعد مدة الإجارة، ويأخذ منه الكراء، ويكون المقال بين المتكاريين فيرجع الآخر على الأول بفضل قيمة الكراء، أو يفسخ الكراء عن نفسه إن كان المسمى أكثر، وإن هدمها المكتري الآخر‏:‏ فعليه قيمتها غير مكرية، أو قيمتها على أنها تقبض بعد مدة الكراء، أو يغرم الكراء لرب الدار مع القيمة، وللمكتري الأول الرجوع على الثاني بفضل الكراء، وإن هدمها أجنبي خيرت بين تغريمه قيمتها غير مكرية، أو على أنها تقبض بعد مدة الإجارة فتأخذ منه الكراء وينفسخ الكراء؛ لأنه لك ملك الرقبة بالأصالة، والأجرة بالعقد، ولا مقال لواحد من المتكاريين على الآخر‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ العبد المأذون له في الصنعة يضمن الإفساد، والجناية في ذمته

كالحر، بجامع زوال الحِجر‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ المستأجر على حراسة بيت فينام فيسرق البيت‏:‏ قال مالك‏:‏ لا يضمن، وله الأجرة، وكذلك الخيل والغنم إلا أن يُفرط‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا ابتل الطعام في السفينة بللاً مفسداً ضمنوا إذا لم يكن ربه معه؛ لأنه يتهم في أخذه، ويبل الباقي ليزيد، فإن كان بللاً لا يزيد‏:‏ فلا شيء عليهم، وإن شك فيه‏:‏ اختلفوا، قال ابن القاسم‏:‏ وحيث ضمنوا فلا يأخذ في النقص ذهباً إن أكرى بذهب إن نقد، والإجاز خشية النسيئة في النقد، وله أخذ الشعير في الشعير؛ لأن الهلاك يوجب غرم المثل‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ لو استأجر نواتية في السفينة يحملون للناس، ضمنوا، وكذلك في الظهر، قاله مالك‏:‏ لوجود التهمة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا اكترى دابة لا يصدق في موتها إلا ببينة إن كان في جماعة، وإلا صدق مع يمينه، ويصدق في ردها إلا أن يقبضها ببينة، ويصدق في ذهابها مطلقاً، وكذلك وقوفها في الطريق، قال ابن حبيب‏:‏ فإن اشترط ضمانها فهو فاسد لمناقضة العقد، قال مالك‏:‏ ولو حبسها بعد الكراء ضمنها لأنه متعد، وعليه كراء المثل إن سلمت، قال ابن القاسم‏:‏ أما الساعة فلا يلزمه إلا كراؤها على قدر ما حبسها، قال ابن حبيب‏:‏ إن حبسها بعد الشرط الأيام اليسيرة فأتى بها تغيراً شديداً، خير بين قيمتها بعد الشرط وكرائها الأول، أو الدابة

وكراء الحبس والكراء الأول، وإن حبسها أياماً كثيرة حتى حالت أسواقها‏:‏ خير ربها وإن لم تتغير، والعارية مثلها في حبسها في القليل والكثير‏.‏

تمهيد‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ الهالك خمسة أقسام‏:‏ ما هلك بسبب حامله من عثار أو ضعف حبل لم يغرمنه، أو ذهاب دابة أو سفينة بما فيها، فلا ضمان ولا أجرة، ولا عليه أن يأتي بمثله ليحمله، قاله مالك، وقال غيره‏:‏ ما هلك بعثار كالهالك بأمر من الله تعالى، وقال ابن نافع‏:‏ لرب السفينة بحساب ما بلغت، وما غر فيه بضعف حبل يضمن فيه القيمة بموضع الهلاك؛ لأنه موضع أثر التفريط، وله من الكراء بحسابه، وقيل‏:‏ موضع الحمل منه؛ لأن منه ابتداء التعدي، وما هلك بأمر من الله تعالى بالبينة فله الكراء كله، وعليه حمل مثله من موضع الهلاك، وما هلك بقولهم من الطعام لا يصدقون فيه لامتداد الأيدي إليه، ولهم الكراء كله؛ لأنهم استحقوه بالعقد، وما هلك بأيديهم من العروض يصدقون فيه؛ لعدم التهمة، ولهم الكراء كله، وعليهم حمل مثله من موضع الهلاك؛ لأنهم لما صدقوا أشبه ما هلك بأمر من الله تعالى، وقال ابن حبيب‏:‏ لهم من الكراء بحساب ما بلغوا، ويفسخ الكراء؛ لأنه لما كان لا يعلم إلا من قولهم أشبه ما هلك بعثار‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا زاد الطعام أو نقص ما يشبه فلا شيء لهم ولا عليهم وما

لا يشبه وقالوا‏:‏ زدناها غلطاً وصدقتهم أخذتها وغرمت كراءها، أو أنكرت صدقت ولك تركها؛ لأنه قد يغترق الكراء لهم، وإن زاد الكيل ليس لك أخذ الزيادة إلا أن تكون معروفة عند الناس، قال ابن يونس‏:‏ إذا اكتريت الزيادة أو كان الحمال غلط بحملها، لك أخذها ودفع كرائها، وتضمنه مثلها بموضع الحمل؛ لأنك لم تأمر بحملها‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ فإن حمل غير المتاع غلطاً خيرت بين تضمينه القيمة بموضع الحمل، قال أشهب‏:‏ ولا كراء له بحمله غير المأذون، قال ابن القاسم‏:‏ له الكراء لحصول المنفعة، وليس لك تكليفه رده لعدم اقتضاء العقد ذلك، ولا للحمال أن يفعل ذلك إذا أردت أخذه؛ لأنه مالك، والكراء بينكما قائم، فيجع ليحمل ما استؤجر عليه، وقال أصبغ‏:‏ عليه رده وهو في ضمانه في رده؛ لأنه متعد بإخراجه، فإن حمله تعدياً‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ خيرت بين قيمته وأخذه بغير كراء‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ للحمال منع ما أكرى عليه من العروض حتى يقبضوا كرائهم ويضمنوها ضمان الرهان، ولهم الكراء كله ضمنوا أم لا؛ لتوفية الحمل، وللصناع منع ما عملوا حتى يقبضوا أجورهم، فإن هلك ضمنوا، والأجرة لهم لعدم التسليم‏.‏

في الكتاب‏:‏ لا يضم الطعام إذا كنت معه مع الدابة أو السفينة، وإلا فلا يصدق في الطعام وإلا دام للتهمة في امتداد الأيدي إليه إلا ببينة أن التلف من غير فعلهم، ويصدقون في العروض، قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ إن شرطوا الضمان في غير الطعام، أو عدم الضمان فيه، فسد العقد لمناقضته العقد، فإن فات ضمنوا الطعام دون غيره، ولهم أجرة المثل، قال ابن حبيب‏:‏ الذي يضمنون ما كان طعاماً أو إداماً، كالقمح والشعير، والدقيق، والسلت، والذرة، والدخن، والعدس، والكرسنة، بخلاف الأرز لأنه لا يتفكه به، قال أبو محمد‏:‏ لعل هذا بغير بلد الأرز، ويضمن الفول، والحمص، وللوبيا، والجلبان، بخلاف الترمس لأنه تفكه، ومن الإدام‏:‏ الزيت، والعسل، والسمن، والخل، بخلاف المري، والرب، والأشربة الحلال، والجبن، واللبن، والزبد، واللحم، والبيض، والإبزار، وخضر الفواكه رطبها ويابسها إلا التمر والزبيب والزيتون والملح، ولا تضمن الأدهان، ويصدقون في هلاك كل ما لا يضمن كالعروض، قال‏:‏ وهذا الذي ذكره ابن حبيب استحسان، وظاهر المدونة عام في الطعام والإدام، وإذا كان يصحب الطعام ببعض الطريق دون بعض‏:‏ قال محمد‏:‏ سقط الضمان؛ لأن الأصل‏:‏ حمله على غير التسليم، وقيل‏:‏ إن فارقه على عدم العود، أو لا يرجو أن يدركه ضمنوا لاستقلالهم، وقال الشيخ أبو الحسن القابسي‏:‏ إذا وكله على كيل الطعام في السفينة وغاب ثم تركه معه، فإنه يضمن، وإذا صدقنا الحمال في العروض فله الكراء كله، وعليه مثله لصاحبه بقية الطريق، كمن لم يحمل شيئاً لعدم المنفعة للأجر أو يكرى ذلك في مثله، وقال ابن حبيب‏:‏ له من الكراء بحسابه إلى موضع دعواه التلف، وكذلك إن كان تلفه من سببه، ولو باع الطعام ببعض الطريق بغير إذن ربه، قال ابن القاسم‏:‏ له أخذ الثمن لأنه بيع

فضولي يصح عندنا، أو مثله بموضع المحمول إليه؛ لأن له إبطال العقد وهو من ذوات الأمثال، فإن أخذ اثمن فله أن يحمله مثله من موضع البيع؛ لأنه بقية العقد، وقيل‏:‏ إنما يضمن الطعام إذا ادعى ضياعه في الموضع الذي يصل إليه إذا أمكن أن يكون وصل إلى الموضع، وإلا ففي موضع الضياع، قال‏:‏ والصواب ضمانه في الموضع الذي أكرى إليه، ولا وجه للتفرقة؛ لأنه ضمنه قبل ذلك‏.‏

الثالث في موجبات الفسخ

وهي‏:‏ إما فوات بعض المنفعة أو كلها، إما عرفا أو شرعا

القسم الأول‏:‏ فوات بعض المنفعة

وفي الكتاب‏:‏ استأجرها على صبيين حولين فمات أحدهما بعد حول، وضع عنه بعض الأجرة إلا أن تختلف الأزمنة في الكراء من الشتاء والصيف، وصبي صغير وكبير، فيحسب ذلك، ثم لها أن ترضع مع الباقي غيره؛ لأنه دخل على المشاركة، ولو أجرها على صبي لم يكن لها إرضاع غيره لاستحقاقه جملة الرضاع، ولو أجرهما لصبيين فماتت إحداهما فللباقية أن لا ترضع وحدها لدخولها على المساعدة، كذلك الأجيران في رعاية غنم، ولو أجر الثانية تطوعا فماتت فعلى الأولى الرضاع كما كانت لدخولها على الاستقلال، فإن ماتت الأولى فعليه أن يأتي بمن يرضع مع الثانية، قال صاحب النكت‏:‏ إذا استأجر واحدة بعد واحدة إنما يكون للثانية مقال إذا علمت عند العقد بالأولى، وإلا فلا؛ لدخولها على الانفراد، قال ابن يونس‏:‏ قال سحنون‏:‏ إذا مات أحد الصبيين انفسخت الإجارة لعدم انضباط حصته، وكذلك إذا ماتت إحدى الظئرين‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا انهدم من الحمام أو الدار ما أضر بالمكتري فأراد فسخ الإجارة وأبى ربها، وأراد الإصلاح، قدم المكتري؛ لأن في الانتظار ضررا‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا صح مرض العبد فسخ الكراء، ويسقط كراء أيام المرض، فإذا صح في بقية المدة عاد إلى عمله بخلاف صحة الدابة لضرر المسافر في الصبر علبها فيكتري غيرها، فلو رضي بانتظارها وأراد ربها بيعها، والمرض نحو اليومين مما لا ضرر فيه على الكري حبس، وإلا فسخت، قال صاحب النكت‏:‏ افتراق الجواب في العبد والدابة لاختلاف السؤال؛ فالعبد في الحضر والدابة في السفر، ولو كانت في الحضر والأجير في السفر استوى الجواب، قال ابن يونس‏:‏ يعود العبد لبقية المدة إلا أن يتفاسخا لبطلان العقد‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا انهدم من الحمامين وجه الصفقة رد الجميع، وإلا لزم الباقي بحصته‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ انهدام بعض الدار إن كان يسيرا أو كثيرا لا يضر، كانهدام الشر فات، فلا مقال فعدم الضرر، وما فيه ضرر يسير سقط من الكراء بقدره الاستحقاق، أو أضر كثيرا فللمكتري رد الدار، فإن شاء سكن بجميع الأجرة، قاله عبد الحق، وقال سحنون‏:‏ إن سكن حط عنه من الكراء بحصته لذهاب بعض المعوض عليه، قال صاحب النكت‏:‏ لو لم يبق إلا القاعة فله المقام بجميع الكراء، قال اللخمي‏:‏ لا يفسخ ولا ينقص الكراء بهدم الشرفات

إلا أن يكون زاد في الكراء لأجلها، وإن ذهب البياض وحالها نقض الكراء إلا أن يصلحه، وله الخروج، وإن انكشفت من حائط ونفقته يسيرة أجبر ربها على الإصلاح، وإن انهدم بيت داخلها وهو أقل الصفقة حط ما ينوبه‏.‏

القسم الثاني‏:‏ فوات كل المنفعة عرفا

قال اللخمي‏:‏ إذا انقطع ماء الرحا ولا ترجى عودته إلا بعد بعد‏:‏ فله الفسخ لعدم تسليم المنفعة، أو يرجى على القرب لم يفسخ لقلة الضرر، وحيث فسخ ثم عاد عن قرب فهل يبطل الفسخ لبطلان السبب أو لا؛ لأنه بطل العقد فلا يعود إلا بإنشاء أخر‏؟‏ قولان، فإن لم يتفاسخا حتى عاد الماء عن قرب بطل الفسخ، أو عن بعد عاد الخلاف‏:‏ هل عدم المنافع فسخ أو حتى يفسخا‏؟‏ وكذلك السفينة يأتي عليها الشتاء ثم يعود الصيف، فيها قولان، وارتحال الناس عن المحلة يفسخ كراء الدار؛ لتعذر استقرار الإنسان وحده، وكذلك الفندق، وحيث عاد الماء في الرحا إن اتفقا على وقت انقطاعه، واختلفا في وقت رجوعه، صدق المكتري؛ لأن الأصل‏:‏ برائته من الأجرة، وإن اختلفا في وقت الانقطاع والرجوع، صدق المكري عند ابن القاسم؛ لأن الأصل الماء ابتداء والمكتري عند سحنون لبراءته من الأجرة، فإن لم يعد حتى انقضت السنة واختلفا في وقت الانقطاع‏:‏ فعلى قول ابن القاسم يصدق المكري، وعلى قول سحنون‏:‏ المكتري، ولو كانت دارا واتفقا على وقت الانهدام، واختلفا في وقت الإعادة صدق المكتري استصحابا للحالة، وإن اختلفا في وقت الانهدام واتفقا على وقت الإعادة صدق المكتري عند ابن القاسم، خلافا لسحنون، فإن لم يعد البناء فعلى مثل ذلك الاختلاف، قال

أشهب‏:‏ إذا قال الأجير‏:‏ عملت السنة، وقال المستأجر‏:‏ بل بطلت صدق المستأجر؛ لأن الأصل‏:‏ عدم العمل، قال محمد‏:‏ وسواء كان منقطعا إليه أم لا، وقاله ابن القاسم إذا لم يكن مأواه إليه، وإلا صدق الأجير حرا كان أو عبدا؛ لأن الغالب مع الإقامة عنده العمل، وقال عبد الملك‏:‏ إن كان عبدا يأوي عنده، صدق المستأجر، نقد أم لا؛ لأنه لما أوى عنده فقد أمن عليه فيصدق، وكذلك لو ادعى أياما‏:‏ فإن كان يختلف إليه صدق السيد، ويصدق الحر، كان يأوي إليه أم لا، قبض الأجرة أم لا؛ لأن الأصل الوفاء بالعقد، قال‏:‏ وقول أشهب أحسن، بخلاف الماء والدار؛ لأنهما سلما تسليما واحدا، والأصل‏:‏ بقاؤهما حتى يعلم خلافه، ومنافع الأجير بيده، يسلمها في كل يوم، قال ابن يونس‏:‏ إن ادعى هدم الدار ولم يعلم به أحد، لم يصدق لأنه خلاف العادة، وإذا قال الساكن‏:‏ لم أسكن إلا كذا، صدق عند مالك؛ لأن الأصل‏:‏ عدم السكنى، وفي المدونة‏:‏ قال رب الرحا والدار‏:‏ قد انقضت السنة، وقال المكتري‏:‏ لبل شهران، وقد انهدمت الدار الآن أو انقطع ماء الرحا صدق المكتري، لأن الأصل‏:‏ عدم التسليم في المنفعة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ مرض العبد المرض البين وإباقة في المدة يوجب الفسخ، فإن صح أو رجع في بقية المدة لزمه إتمامها توفية للعقد، قال غيره‏:‏ إلا أن يكون فسخ ذلك، وقال في غير هذا التمادي حتى يتفاسخا قبل ذلك؛ للتمكن من

المنفعة، قال ابن يونس‏:‏ وكذلك الدار ينهدم بعضها ثم يصلح قبل الفسخ قبل تمام المدة، فإن انهدمت كلها وانتقل المكتري عنها لم تعد الإجارة بالبناء؛ لأنها دار غير الأولى، ولو بناها مثلها، بل ذلك كموت العبد المستأجر، وقاله الأئمة، وإن كان الجل كان له الخروج، قال ابن حبيب‏:‏ ليس له منع المكتري من الإصلاح من ماله؛ لأنه مضار بمنعه، قال ابن يونس‏:‏ إذا انهدم من حمام أو رحا ما يضر بالمكتري‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ إن أضربه في التأحير إلى الإصلاح، فله الفسخ، وإلا فلا، ولو استأجره على عجن وبية في هذا اليوم، أو يطحن له في هذا الشهر كل يوم وبية، لا يضر فوات ذلك الوقت، ويعمل بعد ذلك؛ لأن الذي يعدم الوقت فيه مقصود، وهاهنا المقصود‏:‏ العمل، وكذلك السقي يشترط عليه كل يوم قربة، ولو استأجر العبد شهرا على أم له راحة يومين فبطل أكثر منهما‏:‏ قال مالك‏:‏ إن شرط على المستأجر النفقة في يوم الراحة، حوسب على البطالة من حساب ثلاثين، وإلا حوسب على ثمانية وعشرين؛ لأنها مدة العقد‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا هطل البيت لم يجبر المكري على الطر؛ لأنه سلم البيت وللمكتري طره من الأجرة، وله الخروج في الطر البين إلى أن يطرها ربها، وقال غيره‏:‏ الطر وكنس المراحيض مما يلزم ربَّ الدار، وكذلك لو انهدمت الدار أو بيتاً منها لم يجبر على البنيان، بل للمكتري الخروج إن تضرر، ويقاصُّه من الكراء بحساب ما سكن، وإلا فلا، وليس له الإصلاح من الكراء إلا بإذنه؛ لأن العقد لم يتناول إلا تلك البينة، فإن بناها في بقية مدة الكراء لزم المكتري السكنى لزوال الضرر إن كان لم يخرج، وإلا فلا يلزمه الرجوع؛ لأنه قد يتضرر بإجارة دار أخرى، قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ إذا خرج واكترى غيرها

فأصلحت لم يصلح الرجوع؛ لأن بقية الكراء بقي ديناً على المكتري، فلا يأخذ فيه سكنى دار، وإن لم ينقد المكتري الكراء جاز التراضي بسكنى ما بقي إذا علمت حصتُه من بقية الكراء، قال أصبغ‏:‏ إلا أن يصلح في الأيام اليسيرة فيلزمه ما بقي لعدم الضرر، ويفسخ ما بين ذلك في العمارة لا في الهدم‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا غرق بعض الأرض أو عطش قبل الزراعة وهو أكثرها‏.‏ رُد جميعها لذهاب جُل الصفقة، أو قليلاً تافهاً حطت حصته من الكراء في جودته ورداءته، وكذلك الاستحقاق، قال ابن يونس‏:‏ قيل‏:‏ تسويته بين العطش والاستحقاق يقتضي‏:‏ إذا غرق نصف الأرض أو ثلثها أن يرد البقية، وقد قيل‏:‏ إذا استحق النصف لا ردَّ له، وينبغي إن تضرر المشتري في الاستحقاق بالنصف رد وإلا فلا‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اكترى الأرض ثلاث سنين فغارت العين أو انهدمت البئر وامتنع من الإنفاق عليها‏:‏ فللمكتري حصة تلك السنة خاصة ينفقها فيها؛ لأنها المحتاج إليها فإن زاد فهو متطوع، وكذلك المساقي له نفقة حصة رب الأرض من الثمرة تلك السنة، بخلاف الدور؛ لأن المكتري لا نفقة له فيها، فلا ضرر عليه في الخروج، ولو لم يزرع المكتري ولا سقي المساقي لم يكن لهما إنفاق، قال اللخمي‏:‏ قال مالك في المرتهن الزرع أو النخل‏:‏ له الإنفاق إن امتنع ربه، والنفقة في الزرع ورقاب النخل لئلا يهلك رهنه فهو معذور كالمكتري والمساقي، ويبدأ من الرهن بما أنفق؛ لأنه أخص به من الدين، وإن لم يوف لم

يكن الفاضل على المالك؛ لأنه لا يجب عليه الإصلاح، وإذا لم يزرع المكتري خير ربها بين الإصلاح أو الإذن فيه، فإن أبى رد إلا أن يرضى بالإصلاح على جملة الكراء، وكذلك إن قلب الأرض ولم يبذر، ولا يجبر لأنه إذا رد - كان كراء الأرض بينهما بقيمة الأرض غير محروثة، وقيمة الحرث، فإن لم يوجد من يكتريها فكما لو زُرعت لئلا تذهب نفقته فيها أو عمله‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا انهدمت وربها غائب أشهد المكتري على ذلك، ولا شيء عليه، قال ابن يونس‏:‏ إن أكراها سنة فانهدمت بعد شهرين فبناها بما عليه من الكراء، ثم قدم ربها بعد السنة فله حصة ما سكن المكتري قبل الهدم، وكراء العرصة بعد الهدم، وللمكتري نقص بنائه إلا أن يعطيه قيمته منقوصاً‏.‏

فرع‏:‏

في المقدمات‏:‏ إذا استأجره على حمل معين فتلف‏:‏ فثلاثة أقوال‏:‏ المشهور‏:‏ عدم النقض والنقض، كلاهما لابن القاسم، ولا ينقض إن تلف بأمر سماوي وإلا فلا؛ لمالك نظراً للتعيين، أو يكون التعيين كالصفة أو لا؛ لأن الأمر السماوي قد دخلا عليه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا خاف سقوط الدار‏:‏ فله الفسخ دون تنقيص الكراء؛ لأنه عيب‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ إذا غصب الدار السلطان‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ مصيبتها من ربها، ولا كراء له، سواء غصب الدار أو المنفعة، وكذلك غلق الحانوت بأمر السلطان؛ لأن المنافع إنما تستوفي على ملك المكري، فهو مانع من التسليم كالهدم، وقال سحنون‏:‏ الجائحة من المكتري، وقال ابن الحارث‏:‏ إن غصب الدار فالجائحة من المكري فهو نافع أو السكنى فمن المكتري لبقاء ما استوفى منه المنفعة، وفي الجواهر‏:‏ إذا أقر المكتري للغاصب الرقبة قبل إقراره في الرقبة، ولا يفوت حق المنفعة تبعاً على المستأجر، بل له مخاصمة الغاصب لأجل حصته في المنفعة، ولا فرق بين غصب السلطان وغيره ‏(‏في الفسخ‏)‏‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال‏:‏ إن ذهب أهل المحلة فهو كالانهدام للرحا أقام أو رحل؛ لأنه لا يأتيه من يطحن، وكذلك فنادق الموسم إذا امتنع الناس، ومهما تعذرت المنفعة فكذلك، وقاله الأئمة، بخلاف الدار إذا ذهب الناس وبقي المكتري ساكناً لحصول المنفعة، وكذلك إن رحل للوحشة بعدهم لتمكنه من المنفعة فتركها اختياراً، ولو رحل للخوف سقط الكراء لعدم تمكنه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا لم ينزل المطر، أو غرقت الأرض، أو هارت البئر قبل تمام الزرع فهلك الزرع، رجع بالكراء لعدم تسليم المنفعة، فإن لقي الماء للبعض وهلك البعض، حصل ماله به نفع، وعليه من الكراء بقدره، وإلا فلا، وأما هلاكه ببرد أو جليد أو جائحة‏:‏ فعليه الكراء لأنها ليست من جهة الأرض ولا منافعها، وقاله الأئمة، وإذا غرق الزرع بعد الإبان فكالجليد، أو انكشف في

الإبان‏.‏ وأمكن زرعها ثانية لزمه الكراء وإلا فلا، قال ابن يونس‏:‏ ماله به نفع، مثل خمسة من مائة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا عطشت أرض الصلح التي صولحوا عليها‏:‏ فعليهم الخراج؛ لأنه ليس إجارة محققة، بخلاف أرض الخراج كأرض مصر، قال غيره‏:‏ هذا إن كان الصلح وظيفة عليهم، أما خراج على الأرض معروف فلا، قال ابن يونس‏:‏ إذا صالحهم على أن أرضهم بخراج، فلا يخالف ابن القاسم الغير‏.‏ أو على أن عليهم خراجاً لملكهم الأرض كما يوظف بقدر أعمالهم وأملاكهم فما قال ابن القاسم‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا لم يجد البذر أو حبسه السلطان‏:‏ لزمه الكراء لتسليم الأرض، والمنع ليس من قبل ربها ولا منها، كمن اشترى سلعة ومنع من الانتفاع بها بعد قبضها، يجب عليه الثمن‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إذا مات البطن الأول من أرباب الوقف بعد الإجارة وقبل انقضاء مدتها‏:‏ انفسخ باقيها، وقاله ‏(‏ش‏)‏؛ لأنا بينا أنه أجر غير ملكه، وقيل‏:‏ إن كانت مدة يجوز الكراء لها لزم باقيها؛ لأن الأجر أجر ملكه، ولم يفرط‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ لو بلغ الصبي ورشد قبل انقضاء المدة، لا يلزمه باقيها إلا أن تكون إجارة الولي في مدة لا يظن في مثلها البلوغ، ويكون الباقي كالشهر ونحوه، ويلزمه في الحيوان والعقار والرقيق السنين الكثيرة إذا احتلم بعد سنة، وظن عدم احتلامه قبل المدة، وقيل‏:‏ لا يلزمه إلا فيما قل، ولا يلزمه ما يعلم أنه يبلغ قبله في نفسه ولا ماله؛ لأن الأصل‏:‏ عدم نفوذ تصرف غير الإنسان عليه إلا للضرورة، ويلزم السفيه البالغ إذا رشد بقية المدة في الربع والحيوان والرقيق أجر السلطان أو الولي السنتين أو الثلاث؛ لأن رشده غير منضبط، بخلاف البلوغ، الولي معذور فيه، وقيل‏:‏ إنما يكرى عليه السنة ونحوها لتوقع تغير حاله، فأما ما كثر فله فسخه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ لا تنفسخ إجارة العبد بعتقه؛ لأن السيد تصرف وهو مالك، فلا يتناوله العتق‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا آجر أمته فله وطؤها، فإن حملت وجبت المحاسبة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ بيع الدار المستأجرة لا يوجب الفسخ، ويستوفي المبتاع المنافع بحكم الإجارة، ومن غيره يصح أيضاً ولتستمر الإجارة إلى آخر المدة، وقاله أحمد، وعند ‏(‏ش‏)‏ قولان، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يوقف البيع على إجازة المستأجر، وروى تخصيص الصحة بالمدة اليسيرة، والكراهة في الطويلة‏.‏

تمهيد‏:‏ القدرة على التسليم شرط في البيع والرقبة المبيعة مسلمة للمستأجر

ليستوفي منها المنافع، فيتعذر تسليمها للمشتري فبطل البيع، أو تفسخ الإجارة حتى يتمكن من التسليم، وعقد البيع أقوى من عقد الإجارة لتناوله الأصل‏:‏ والمنافع فروع‏.‏ فيبطل عقدها لتصحيح عقد الأصل، أو تكون الدار في يد المستأجر كما تكون في يد البائع إذا استثنى منافعها مدة، فلا يتنافى ذلك، أو يقال‏:‏ عقد البيع نقل الملك ناقصاً لصفته، فكأن المشتري أجر بعد البيع، أو يقال‏:‏ عقد الإجارة سابق، فيخيّر المستأجر‏.‏ فهذه المدارك هي منشأ الخلاف‏.‏

القسم الثالث‏:‏ فوات المنفعة شرعاً

وفي الجواهر‏:‏ إذا صحت الضرس المريضة أو اليد المتآكلة انفسخت الإجارة على إزالتها، وكذلك لو عفي عن القصاص المستأجر على استيفائه‏.‏